12 - 05 - 2025

عاصفة بوح| عقولنا و خيالهم

عاصفة بوح| عقولنا و خيالهم

السينما فن عبقرى يقودك فى دروب لا تخطر لك على بال، ينتقل بك ماضيا ومستقبلا  بإبداع مثير للدهشة والخيال، أما الحاضر فهو كفيل بان يجعلك تراه بصورة مغايرة تماما لما تعيشه وتتنفسه يوميا.. نعم هو قادر على ذلك لما يملكه من سحر، وقدرة غير طبيعية على الخيال وأفكار قد لا تكون طرأت على بال بشر فعليا!

فيلم جلاس الشهير بطولة بروس ويلز وصمويل جاكسون وكلاهما من أيقونات هوليوود، أما جيمس ماكافوى الممثل الشاب فقد أدى دورا إعجازيا عن شاب يعانى مرض تعدد الشخصيات التى وصلت الى عشرة، يتنقل بينهم فى دقائق عدة من الطيب الى الوحش بعينه! فكان من الطبيعى أن يحتوي الفيلم توليفة وفكرة مثيرة حمستنى على طرح أسئلة على قدرتنا المحدودة بظروفنا وخيالهم المنطلق بالحرية التى يتنفسونها فى كل لحظة من حياتهم! 

الشخصيات الثلاثة تملك قدرات غير عادية.. قوة خارقة استعملت فى الشر كما استعملت فى الخير، وتم القبض عليهم ووضعهم فى مصحة نفسية كان الهدف منها إقناعهم أنهم لايملكون أى قدرات خارقة، إنما مرض نفسي يوهمهم بذلك ويمكن تفسيره علميا و تفنيده سيكولوجيا، أي أنهم مجرد أناس عاديون.. تلك كانت عقدة الفيلم ومنطقة الإثارة كلها، وفى النهاية نكتشف أن وراء تلك العملية  منظمة مهمتها أن تنتزع منهم إيمانهم بتلك القدرات.. لأنه غير مسموح سياسيا أن يكون هناك أناس اسثنائييون خارج السيطرة.. ولا يعرف العالم  بوجود تلك القدرة، فكان لزاما عليهم أن يقتلوهم، فلا مكان لعبقرية أو معجزات فى عالم تحكمه مصالح خفية وأهداف وتربيطات لا تخطر على بال بشر أيضا!

الفيلم أثار فيَّ مشاعر عدة من الفضول والدهشة واستفز عقلى على طرح أسئلة منها: هل للعقل البشرى حدود؟ وهل هو قادر على تفجير قدرات اسثنائية؟ والسؤال الأهم  ولماذا هم وحدهم قادرون على طرح تلك الأفكار وإطلاق ملكات خيالهم فى عوالم قد تمر علينا مرورا عابرا ولا تثير فينا أي خيال؟   

 ثم السؤال المؤلم.. ماذا لو أن هناك استثنائيون فى مجالات عدة  يتم القضاء عليهم لأنهم خارج السيطرة والاستغلال؟ 

ماذا لو أن هناك حكومات عالمية لا نعرف عنها شيئا، أو منظمات دولة سرية تعمل على توجيه الحياة على الكرة الارضية بما يوافق مصالح عليا لاندرى عنها شيئا، أو أنها الشبح الخفى الذى بضغطة على مفتاح فى  جهاز كمبيوتر توؤد ثورات وتسقط حكومات.. وتجري تجارب مختلفة على بشر مساكين لتنتج عقارا ما، أو  لتخلق جنودا بقدرات خارقة وبلا ضمير أو كود أخلاقى أو حرية تفكير وتصرف، ينفذون خططا لامعقولة   لا تقيم لمصالح و حقوق الأفراد أي وزن؟؟

 كلها أفكار طرحتها السينما العالمية من أيام جول فيرن كاتب الخيال العلمى حتى وجدنا كثيرا من أفكاره التى كانت لامعقولة، وخيالا مجنونا فى زمانه تتحقق بعدها بعقود ونعايشها كفعل يومى عادى لا يستحق الاندهاش؟

إذن الأساس هو القدرة على إطلاق ملكات الخيال والأكثر أهمية السماح له بالجهر والعلانية والتنفيذ الفعلى إذا ما استحق؟

تلك هى معجزة الغرب ومأساة العرب! عندهم  تعودوا منذ نعومة أظافرهم  على طرح كل ما يعن لهم من أفكار وعلى حرية البحث، ويؤخذون على محمل الجد وينالون من الاهتمام الذى يحول تلك الافكار إلى واقع يحسن من حياتهم ويطورها ويجعله جديرا بإنسانيتهم! 

هنا مكمن مشكلتنا، هناك الخيال بلا حدود.. يشجع ويحفز ويكافىء، وتقف وراءه كل مؤسسات الدولة  تعضد وتشجع، وعندنا المحاذير طاردة لأى فكر جديد.. والاستثنائيون - ولن أقول أصحاب القوة الخارقة حاشا لله- ينكل بهم مبكرا من رؤسائهم المباشرين خوفا على المنصب أو إظهار ضعفهم وفشلهم، إذا ماتم إلقاء الضوء عليهم.. أما أصحاب المواهب الفريدة فلا مكان لهم فعلا، حتى أن مراكز براءات الاختراع نادرا مانجد أحد منها يقيم اختراعاتهم أو يضعها فى مجال الاهتمام، ربما لو حدث ذلك لساعدت هذه الاختراعات مصر على الخروج من أزماتها الاقتصادية التاريخية، ولربما جعلت حياتنا ممكنة التحمل ولن أقول سهلة أو مرفهة!

هل ينقصنا الخيال؟ هل عقولنا قاصرة على طرح أفكار مدهشة استثنائية تغير وجه الحياة فى الداخل وفي أنحاء العالم؟ أزعم بأنه لا ينقصنا، إنما الذى ينقصنا تعليم يحفز ويشجع على إطلاق قدرات ذلك الخيال. مجال عام يشجع كل عقل قادر على طرح فكر جديد استثنائى وليس استغلاله أو السيطرة عليه أمنيا أو سياسيا أو قتله بالإهمال و الترصد.. مراكز تتابع وتبحث عن هؤلاء الاستثنائيين ليس للاستغلال أو القتل إن لم تتم السيطرة - كما رأينا فى فيلم جلاس- إنما لإطلاق قدراتهم الفكرية والعلمية و التكنولوجية وجعلها حرة مبدعة مخترقة حدود المعقول والسائد، إلى رحاب حرية عقل لا تحده حدود، إنما هو الاستثناء ومعجزة العقل البشرى صنعة الله وعظمته في خلق إنسان استثنائى وسط سائر مخلوقاته! 

العقل المصرى الذى أبهر العالم بأفكاره وإنجازاته واستثنائيته عندما كانت الحرية هى خبزه اليومى.. عندما كانت الحضارة فى خدمة الشعوب ومحفزها، فماذا تغير فعليا ليتكلس العقل العربى فلا نشهد له انجازا يذكر  معلنا عنه، لأن خبيئة العقلية المصرية لا تنضب، إنما هى رواسب رجعية سياسية وعلمية وفكرية تدفنه حيا قبل أن ينفجر فى وجوههم و يقتنع الناس أنهم قادرون على الفكر والإنجاز والتغيير  والتحكم فى مصائرهم!

خيالنا موجود وعقولنا حاضرة مستعدة لانطلاق، وخلايانا الفكرية حية تصرخ طالبة مجالا حيا للحرية فى كل شيء،  فلا نصير ضحايا لحكومة عالمية سرية تقنعنا يوميا بأننا ليس فقط غير استثنائيين، بل إننا حتى أقل من البشر العاديين! 
-------------------------
بقلم: وفاء الشيشيني

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | علمتني غزة